لطالما كانت استراتيجيات التسويق التقليدية تستهدف جمهورًا واسعًا من المستهلكين دون التركيز على فئة معينة، ولكن مع التغيرات السريعة في أنماط الاستهلاك، بدأ العديد من العلامات التجارية في إعادة هيكلة جهودها التسويقية لتواكب الأجيال الشابة، خاصة جيل زد (مواليد 1997-2012) وجيل ألفا (مواليد 2013 وما بعده).
مع قوة إنفاق تقدر بأكثر من 360 مليار دولار عالميًا، أصبح تأثير جيل زد لا يمكن تجاهله، فيما يكتسب جيل ألفا نفوذًا متزايدًا من خلال التأثير على قرارات الشراء العائلية. في هذا السياق، تحاول كبرى سلاسل القهوة مثل Dutch Bros Coffee الاستفادة من الدروس المستقاة من صناعة التجميل، التي نجحت في اجتذاب المستهلكين الشباب من خلال استراتيجيات رقمية مبتكرة يقودها المؤثرون والمحتوى التفاعلي.
لماذا تتجه صناعة القهوة إلى استراتيجيات جيل زد؟
تمتاز صناعة التجميل بقدرتها على إشراك المستهلكين الشباب من خلال التسويق التفاعلي، المحتوى الذي ينشئه المستخدمون (UGC)، والتعاون مع المؤثرين. هذا النموذج حقق نجاحًا هائلًا للعلامات التجارية مثل e.l.f. Beauty، التي شهدت زيادة بنسبة 49% في صافي المبيعات عام 2023 بفضل الحملات الفيروسية على TikTok.
ومؤخرًا، قامت Dutch Bros Coffee، وهي واحدة من أسرع سلاسل القهوة نموًا في الولايات المتحدة، بتعيين Kory Marchisotto، مديرة التسويق في e.l.f. Beauty، كعضو في مجلس إدارتها. هذه الخطوة تشير إلى تحول جذري في استراتيجيات التسويق للقهوة، حيث تتحول من النهج التقليدي الذي يركز على جودة التحضير والبارستا إلى تجربة أكثر ارتباطًا بالهوية الفردية، الترفيه، والمجتمع الرقمي.
يقول أندريه إييرمان، خبير التسويق في مجال القهوة:
“القهوة المتخصصة كانت تركز بشكل مفرط على ثقافة الباريستا، لكن جيل زد يبحث عن قهوة يسهل الوصول إليها، ممتعة، وتعكس شخصيتهم.”
ما الذي تريده الأجيال الشابة من القهوة؟
تُظهر الأبحاث أن جيل زد يرى القهوة كمكمل لنمط حياته أكثر من كونها مجرد مشروب. يبدأ العديد منهم شرب القهوة في سن المراهقة، ويستخدمونها كعنصر أساسي في المحتوى الذي يشاركونه على وسائل التواصل الاجتماعي.
العوامل التي تجذب جيل زد إلى القهوة:
- تجربة قابلة للمشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي: يبحث جيل زد عن مشروبات فريدة وجذابة بصريًا، مثل اللاتيه المزخرف، والمشروبات الملونة، والخيارات الموسمية التي تثير الفضول.
- التخصيص والابتكار: يريد المستهلكون الشباب مشروبات مخصصة، سواء من خلال اختيار مكوناتهم الخاصة أو عبر المشروبات التي تحمل أسماء معروفة من منصات مثل TikTok.
- الاندماج مع المشاهير والمؤثرين: أثبتت حملات التعاون مع المؤثرين نجاحها الكبير، مثل شراكة Dunkin’ مع Charli D’Amelio، التي أدت إلى زيادة بنسبة 57% في تحميل تطبيق Dunkin’ بعد إطلاق مشروب يحمل اسمها.
- التركيز على الاستدامة والقيم الأخلاقية: يولي جيل زد أهمية كبيرة للممارسات المستدامة والشفافية في سلسلة التوريد، مما يجعل من الضروري للعلامات التجارية أن تبني سرديات ترتكز على القيم البيئية والاجتماعية.
- التفاعل الرقمي وبرامج الولاء: رغم أن نسبة مشاركة جيل زد في برامج الولاء أقل من الأجيال السابقة (37% مقارنة بـ46% للميلينيالز و58% للبيبي بومرز)، فإن عدد المشتركين الشباب في هذه البرامج يزداد سنويًا بنسبة 15%، خاصة إذا كانت تعتمد على التطبيقات والمكافآت الرقمية.
هل يهدد التركيز على جيل زد الأجيال الأخرى؟
مع تركيز العلامات التجارية بشكل متزايد على جيل زد، يبرز التساؤل حول ما إذا كان هذا التحول قد يؤدي إلى إقصاء الأجيال الأكبر سنًا، التي لا تزال تمثل جزءًا كبيرًا من سوق القهوة.
- العديد من العملاء الأكبر سنًا يفضلون الولاء والاستقرار في المنتجات والعروض، بينما ينجذب جيل زد إلى التغيير السريع والتجديد المستمر.
- بعض التحديثات، مثل إعادة هيكلة برامج الولاء الرقمية، قد تثير استياء العملاء الذين اعتادوا على الأنظمة التقليدية.
- هناك خطر في أن يصبح التسويق متمحورًا بشكل مفرط حول ثقافة الإنترنت والميمز، مما قد يجذب جمهورًا شابًا لكنه ينفّر المستهلكين الأكبر سنًا الذين يفضلون أساليب التسويق التقليدية.
يقول أندريه إييرمان:
“التسويق الرقمي أولًا يمكن أن يعزل العملاء التقليديين، لكن الحل ليس التراجع، بل تبني استراتيجيات تسويق متعددة المستويات. يحتاج جيل زد إلى محتوى سريع وحيوي، بينما يقدر العملاء الأكبر سنًا الخدمة الشخصية والتراث.”
كيف يمكن لعلامات القهوة تحقيق التوازن؟
لتحقيق النجاح، يجب على العلامات التجارية دمج استراتيجيات التسويق الرقمية مع أساليب التواصل التقليدية. بعض الطرق الممكنة:
- الحفاظ على القيم التقليدية مع تقديم ابتكارات شبابية: على سبيل المثال، يمكن لسلسلة مثل Dutch Bros أن تقدم مشروبات موسمية موجهة لجيل زد، بينما تحافظ على مشروباتها الكلاسيكية.
- توفير خيارات تسويقية متعددة: يمكن الجمع بين الحملات الرقمية عبر TikTok والمؤثرين مع إعلانات أكثر تقليدية في الصحف والراديو لاستهداف شريحة واسعة من العملاء.
- الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتخصيص: من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات العملاء، يمكن للعلامات التجارية تقديم توصيات شخصية تناسب جميع الفئات العمرية.
- الحفاظ على التواصل البشري في الخدمة: رغم أن جيل زد متصل رقميًا، إلا أنهم يبحثون أيضًا عن تجارب فريدة في المقاهي الفعلية، حيث تكون الضيافة والخدمة الشخصية عناصر لا غنى عنها.
من سينجح في المستقبل؟
المستقبل سيكون من نصيب العلامات التجارية التي تتطور مع الأجيال دون فقدان هويتها الأساسية. فكما نجحت شركات مثل Hermès في جعل حقائب بيركن مرغوبة من قبل الشباب دون فقدان جاذبيتها لدى العملاء التقليديين، يمكن لصناعة القهوة أن تدمج تقنيات التسويق الحديثة دون التخلي عن جذورها.
يقول أندريه إييرمان:
“جيل زد لا يريد دروسًا عن القهوة – إنه يريد تجربة ممتعة ومخصصة. إذا أرادت العلامات التجارية النجاح، فعليها أن تجعل القهوة عنصرًا من نمط الحياة الحديث، وليس مجرد مشروب تقليدي.”
باختصار، الشركات التي ستنجح في سوق القهوة في المستقبل ليست تلك التي تركز فقط على جيل معين، بل تلك التي تستطيع الدمج بين الابتكار الرقمي والقيم التقليدية لتوفير تجربة تناسب جميع الأجيال.
اترك تعليقاً